SPONSERD ADS
SPONSERD ADS
تطبيع الحزن ” بودكاست فنجان “
مقدمة: بين كبت المشاعر وثقافة التظاهر بالقوة
في مجتمعاتنا العربية، يواجه كثير من الناس ضغوطًا نفسية وعاطفية تؤثر في جودة حياتهم اليومية. غير أن الحديث عن الحزن أو التعبير عن الألم لا يزال يُنظر إليه كعلامة ضعف أو فشل في التكيف. وسط هذا السياق، جاءت مبادرة “تطبيع الحزن” كدعوة جريئة لإعادة النظر في الطريقة التي نتعامل بها مع مشاعرنا.
في إحدى حلقات بودكاست فنجان، تم التطرق لهذا المفهوم من خلال حوار مع رفاه سحاب، رائدة الأعمال والمرشدة النفسية الأردنية، التي تكرّس جهودها لنشر الوعي بأهمية تقبّل المشاعر السلبية وتطبيع الحزن. هذه الفكرة تطرح تساؤلات جوهرية: هل الحزن عيب يجب إخفاؤه؟ أم أنه حالة إنسانية طبيعية تستحق أن تُفهم وتُحتَضن؟
أولًا: ما معنى تطبيع الحزن؟ ولماذا هو مهم؟
الحزن ليس عدوًا… بل إشارة داخلية تحتاج إلى إصغاء
“تطبيع الحزن” لا يعني تبرير الاستسلام أو التشجيع على الاكتئاب، بل هو اعتراف بأن الحزن جزء طبيعي من التجربة الإنسانية. في كثير من الأحيان، نحاول أن نُظهر أنفسنا بصورة قوية ومتزنة، بينما نخفي خلف هذا القناع مشاعر الألم والضعف. هذه الممارسات تؤدي مع الوقت إلى احتقان عاطفي، وربما إلى اضطرابات نفسية أكثر تعقيدًا.
تشير إحصائيات حديثة صادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 280 مليون شخص حول العالم يعانون من الاكتئاب، وغالبيتهم لا يسعون للعلاج بسبب وصمة العار المرتبطة بالمشاعر السلبية. لذلك، فإن نشر ثقافة تطبيع الحزن يُعد خطوة أساسية نحو بناء مجتمعات أكثر وعيًا وتقبّلًا للذات.
ثانيًا: رفاه سحاب… قصة شخصية تُلهم
من العلاج النفسي إلى ريادة الأعمال الإنسانية
ولدت رفاه سحاب في الأردن، ودرست علم النفس في جامعة الأردن، ثم نالت درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة إدنبرة بالمملكة المتحدة. بدأت مسيرتها المهنية كمرشدة نفسية، حيث تعاملت بشكل مباشر مع أشخاص يعانون من ضغوط نفسية ومشاعر سلبية مكبوتة. لاحقًا، اتجهت إلى ريادة الأعمال وأسست شركة “حجرة ورقة مقص” المختصة في تصميم وبيع الألعاب الجماعية.
لكن طموح رفاه لم يتوقف عند حدود التجارة أو الربح، بل استخدمت خبرتها النفسية لتقديم محتوى توعوي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة على إنستغرام، حيث تتحدث بصراحة عن الحزن، القلق، مشاعر النقص، وفوضى الحياة اليومية.
من خلال منصتها الرقمية، تشجّع رفاه الناس على التعبير عن الألم دون خجل، وإيجاد معنى في مشاعرهم بدلًا من مقاومتها أو تجاهلها. وهذه الرسالة تمثل جوهر “تطبيع الحزن” في ظل مجتمع يتعامل مع الألم وكأنه خطأ يجب إصلاحه بسرعة.
ثالثًا: أدوات عملية لتطبيع الحزن في الحياة اليومية
كيف نتحول من كبت المشاعر إلى التعامل الصحي معها؟
في إطار رؤيتها، قدمت رفاه سحاب مجموعة من الأفكار العملية والمبادرات التي يمكن أن تساهم في نشر ثقافة تطبيع الحزن بشكل ملموس. إليك أبرز هذه الأدوات:
1. المشاركة في الحوارات العامة والندوات النفسية
تنظيم أو حضور جلسات حوارية عن الصحة النفسية يفتح المجال لتبادل الخبرات، ويكسر حاجز الصمت حول القضايا العاطفية. يمكن للجامعات أو الجمعيات أو حتى الأفراد تنظيم فعاليات للتحدث عن الحزن، الاكتئاب، القلق، والخسارة.
2. التدوين والتعبير الذاتي
إنشاء مدونة شخصية أو حساب على وسائل التواصل الاجتماعي يساعد الفرد على التعبير عن مشاعره وتجاربه بشكل إبداعي، مما يساهم في العلاج الذاتي، ويمنح الآخرين فرصة للشعور بأنهم ليسوا وحدهم.
3. تقديم الدعم العاطفي المباشر
من خلال إنشاء مجموعات دعم عبر الإنترنت، أو تقديم خدمات استشارية، أو حتى الإصغاء لأصدقاء يمرّون بأزمات، يمكن للفرد أن يكون مصدر أمان للآخرين، ويساهم في تطبيع الحزن داخل مجتمعه.
4. المحتوى التعليمي
SPONSERD ADS
إعداد دورات أو ورش عمل عبر الإنترنت لتعليم الناس مهارات الوعي العاطفي والتنظيم الذاتي، وكيفية التعامل مع المشاعر دون إنكار أو تضخيم.
5. النشاط البدني كرافعة نفسية
تشير الدراسات إلى أن ممارسة الرياضة بانتظام تساعد في تقليل التوتر وتحفيز هرمونات السعادة مثل “الإندورفين”. ويمكن ربط هذه الأنشطة بحملات توعوية تحت شعار “افهم مشاعرك، لا تهرب منها”.
رابعًا: كيف نكسر وصمة الحزن في المجتمع؟
هل نحن بحاجة إلى ثورة عاطفية؟
نعم، نحن بحاجة إلى ثورة ثقافية صامتة تبدأ من الاعتراف بالمشاعر السلبية، لا إنكارها أو تجميلها. تطبيع الحزن لا يعني أننا نغرق فيه، بل أننا نعترف بوجوده ونتعامل معه باحترام.
تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعبّرون عن حزنهم بشكل منتظم، سواء من خلال الكتابة، الحديث، أو الرسم، أكثر قدرة على التعافي النفسي وأقل عرضة للإصابة بأمراض القلق والاكتئاب.
والمجتمعات التي تسمح لأفرادها بالتعبير الحر عن مشاعرهم، دون خوف من الحكم أو الإدانة، تكون أكثر تماسكًا وتفهّمًا.
من المسؤول عن نشر هذه الثقافة؟
- 
الأفراد: من خلال الحديث عن تجاربهم بصدق.
 - 
الإعلام: عبر إنتاج محتوى يسلّط الضوء على التجارب الإنسانية المؤلمة ويعالجها بعمق.
 - 
المدارس والجامعات: من خلال إدراج مهارات الذكاء العاطفي في المناهج التعليمية.
 - 
الحكومات والمنظمات: عبر حملات توعية واستثمار في برامج الصحة النفسية المجانية أو منخفضة التكلفة.
 
خامسًا: أسئلة شائعة (FAQ) حول تطبيع الحزن
❓ما الفرق بين تطبيع الحزن والاستسلام له؟
✅ تطبيع الحزن يعني الاعتراف به كمشاعر طبيعية والتعامل معه بوعي، بينما الاستسلام يعني الغرق فيه دون محاولة للفهم أو المعالجة.
❓هل الحديث عن مشاعري السلبية يجعلني أضعف؟
✅ أبدًا. الاعتراف بالمشاعر علامة على النضج النفسي، والقدرة على فهم الذات بعمق.
❓كيف أساعد شخصًا يمرّ بفترة حزن؟
✅ استمع إليه دون إصدار أحكام، شجّعه على التعبير، وقدّم له الدعم العاطفي، أو دلّه على متخصص إذا احتاج.
❓هل يمكن أن أطبّع الحزن مع أطفالي؟
✅ نعم، عبر الحديث معهم بصراحة عن المشاعر، وتشجيعهم على التعبير وعدم كبت ما يشعرون به، يمكن غرس مفهوم صحي عن العواطف منذ الصغر.
خاتمة: لا تُنكر حزنك… احترمه
تطبيع الحزن ليس دعوة للكآبة، بل خطوة نحو السلام النفسي الداخلي.
هو أن تقول لنفسك: “أنا إنسان، ومن حقي أن أشعر بالحزن أحيانًا”.
من خلال هذه النظرة الجديدة، نصبح أكثر صدقًا مع أنفسنا، وأكثر تعاطفًا مع الآخرين.
الرسالة التي تقدمها رفاه سحاب، وكل من يسير في هذا الطريق، هي أن الحزن لا يجب أن يُخفى أو يُحارب دائمًا، بل يُفهم ويُحتضن. فربما خلف هذا الحزن، تكمن بذرة الشفاء، وبداية التحول.
فلنفتح باب الحديث، ولنطبع الحزن… لنمنح أرواحنا الراحة التي تستحقها.